07‏/08‏/2013

( روان )


- السّلام عليكم و رحمة الله وبركاته .
- الأميرة النازفة , النائمة على عرشها السادس  , الباسمة بعد كلّ دمعة , و من تحيا الألم كحياته فيها في قطعة من الزمان في أي قطعة من المكان ثم ما تلبث أن تنام أو تنسى فتبسم , تسخر بكل عفوية , بكل براءة , بكل طفولة , بضحكة خجولة يرافقها الخجل إلى أن يوصلها للبسم فلا تتعداه , خجل حيّي يجعل الضحك بداخله يستتر فلا يظهر من ورائه إلا قليلا , و لكنها تبسم كثيرا فقد تمردت على الألم لتتمرد السخرية الباسمة على الجميع في محياها الأسمر الجميل ... أميرتي روان .

- الأميرة روان , يا أصدقاء , طفلة استهلكت من أكسجين كوكبنا 6 سنين , التقيت بها في المستشفى , تعاني من نوبات ألم في بطنها فكأنّما ذلك الألم الماكث هناك يريد إلّا أن يصنع على عرشها الأنيق البريء عرشا أليما و مؤلما و كأنّما حاله كلّما استشعر لذة النّصر صرخ معلنا إيّاه , فصرخ بألم , فصرخت لألم , فدمعت عينها في ألم ...ليشهد فمها الحيّي على النّصر المؤلم فيلفظ دما ... روان تتقيّؤ دمًا في نوبة الألم ...و قد استنفذ طبيب الأطفال المعالج الفحوصات التي أراد أن يتأكد بها ممّا يظنّ في كونه السّبب ( و معقل الألم ) ...الفحص المنظاري للمريء و المعدة بيّن أنّ كل شيء على ما يرام ...الماسح الضوئي ( سكانار ) الذي أُجري لها على مستوى الرأس بيّن أن الجيوب الأنفية أيضا سليمة ...أين يعسكر الألم يا روان ؟ و من أين يأتي الشهيد الدّم ؟ هلّا نطق لسانك يا روان فقد لم تنطق الفحوص ...ولا يزال الألمُ , و لا يزال يشهد عليه بالدّماء الفمُ ,  و لا تزال روان النّطق تنتظرُ .
- لم تكن هذه أوّل مرّة تزور فيها الأميرة المستشفى فهي تعاني من هذه الأعراض منذ قرابة العام و قد زارت العديد من المآزر البيضاء برفقة والدتها ...
- الوالدان منفصلان و وريثة العرش تسكن مع الأمّ في بيت الجدّ ... روان لا تعيش مع والدها ...الطّفلة بعيدةً عن الأب .
- أردت هنا أن أنفث رسائلا بيضاءَ و أخرى كالدّم الذي تلفظه أميرتي , حمراءَ , و أخرى شفافة كطهر بسمتها الحيية ...فإلى :
- إلى أمّ روان ... إلى الأمّ  :
- سيّدتي , لعلّ جسد الكلمات حين يجرؤ كجرأة الوقوف بين يديك ليرسل لك من بعض جسده كلمات ومن بعض روحه معانٍ فإنّه حتما سيجد الأجرأ منه كـــــ ( العطاء )  يربّت على كتفي الكلمات أنْ (  عذرًا , ليس مكانك هنا , فهنا لا يحقّ النّطق إلّا لمن قاربت طبيعته طبيعة من نخاطب ...أستأذنك أيّتها الكلمات أن تدعيني أراسلها أنا عسى أن أشبه أمامها العطاء و أنا العطاء ... ) وقال العطاء : (  أيّتها الألف المقترنة بميم و كفى ...لا أدري أمن ألِــــفك أستمدّ الرّوح أيّتها المرأة الأمّ  حين أسقط ألِــــف الأنا مستبدلها بألِـــــفك فتسقط كلّ نزعة للأنا بداخلي و تسقط كلّ نزعاتها من حولي , بقوّة الألِـــف منك فيّ تنطلق منّي  نحو الميم إليك لتجثو تسائلك : علميني أيا ميم الأمومة كيف الـــمـحبّة حين العطاء ... كيف الصّبر , كيف الحبّ , كيف أكون مُحبّا و أنا العطاء ؟ لا أدري أمن هنا أنا  أم أنّه مجرّد عجز لغويّ جعل أحدهم يطلقني على صفاتك حتّى حسبتُني منها فصدقت كوني من ذات صفاتك , خطأً , و الحقّ أنّك شيءٌ آخر تماما لست إلّا أشبهه ...فأنت أمٌّ و كفى و أنا عطاءٌ و فقط . )
- أمَّ روان , أيّتها التي حملت مسؤولية الأمّ و مسؤولية الأب و مسؤولية النزف و مسؤولية الألم و مسؤولية كلّ شيء , بالرّغم من أنيّ أختلف معك في أشياء لعلّ ما أستطيع ذكره هنا ( عسى أن نستفيد ) هو عدم استمرارك في متابعة طبيب واحد و اختلافك على عدة جهات , الأمر الذي جعل روان لا تتابع في مسار علاجي واحد , ففي كلّ مرة طبيب جديد و رأي جديد و دواء جديد , و إن كان هذا مبرَّرا بعدم ردّ الطبيب على المكالمة أو أخذه لإجازة أو تغيير مكان إقامتكم أو غيرها ...أيّتها الأمّ أحترمك , فصبرًا بقدر الحبّ و رجاءً في الله تعالى بقدر العطاء و أملًا جميلا كروعة بسمة روان تنزل على قلبك غيثا .
- إلى الأب :
- و إلى كلّ أبٍ يطلّق أمًّا ...لا تطلّقْ طفلًا , لا تطلّقْ ابنًا , لا تطلّقْ قلبين فإن كان القلب الكبير يحتمل فإنّ القلب الصّغير لا يحتمل الطّلاق يا أبًا ... و يا أيّها الأبُ , اليوم , كالدّواء تحتاج الأميرة الأبوّة فكن لها أبًا تستشعر نبض ( أبي ) في قربه فتصرخ كلّما صرخ الألم في بطنها بالصّبر تستمدّه من الحبّ تستمدّه منك , يا أبًا .
- ( للإشارة فقط  فقد علمت من أخصائيّة نفسيّة حدّثتني عن روان حين استدْعِيَت بسبب ما لوحظ من النوم الكثير الذي صادقته روان فكانت تقضي معه وقتا طويلا , تشترك معه في كون كلّ منها لا يريد أن يبقى هنا و لا يريد إلّا أن يكون هناك , أخبرتني عن كون حالتها النفسية غير مستقرة و ربطت الحديث بانفصال الوالدين ) .
- إلى الطّب :
- متى تكبر عسى أن يكبر الحلم و يكبر الأمل و يكبر الطّفل المريض فتكون سببًا في أن يكبر الصّغار ؟ متى تمرّ على قلب الأمومة الدّامع فإن عجزت عن مسح الدّمع فعلى الأقل ّ تدمع معه فتخفّف عن القلب برفع  مسؤولية الدّمع مرّتين فيكتفي حين يجد من يشاركه الدّمع ... و متى تعطي ؟ أم أنّك تنتظر العطاء ؟ هل أهملوك هنا ؟ هل جعلوك تفرح بالماسح الضّوئيّ في زمن التصوير بالرّنين المغناطيسي ( IRM ) ؟ هل جعلوا المخابر التي تدرس الأنسجة منتهى الحلم في زمن تفاعل البوليميراز المتسلسل ( PCR) ؟ هل أهملوك لتهمل البراءة حين تمرض فتمرض بالإهمال مرتين و هي البريئة مرّتين , فبراءة ذاتيّة في أصلها و براءة من كلّ أخطاء الكبار و أمراض الكبار , أفلا تستحق منك جهدًا لتبرأ ؟ أيّها الطّب هنا متى تكبر ؟
- إلى روان :
- لا تراعي أميرتي فالخير لا يموت ...لا تحزني يا صاحبة البسمة العميقة فالدّمع ليس إلى خلود ...لا تخافي يا صغيرتي  فحمرة الدّم الذي تنزفين فتمسكين بين يديك كحمرة الحبّ الذي ينزفنا ليمسكنا بين يديه ...يحبّك الجميع يا أميرة فاطمئنّي بالحبّ .
- إلى الجميع :
- لا تقلقوا بشأن روان إلّا بالقدر الذي يجعلكم تذرفون لأجلها بعض الدّعاء , و لا تقلقوا بشأن من يشاركها الألم إلّا بالقدر الذي يجعلكم تكونون ( أمّهاتٍ صالحات و آباءً صالحين و أطبّاءَ أوفياء ) و إلّا بالقدر الذي تكرهون به معاول الهدم كالطّلاق و كهجر الأطفال و كقسوة الحنان و كبغض الحبّ و بعض الإهمال .
- اليوم 29 من شهر رمضان  فإن أطّل عليكم العيد بوجه الحياة فلا تنسوا - أيّها الكرام - أن تُطلّوا على أمراء و أميرات على الأسرّة البيضاء في المستشفيات , أطلّوا عليهم بوجهٍ كوجه الحياة في نفوسكم تحيا بنعم  الله تعالى كالصّحة و العافية  و الأسرة و خبّروهم بهديّة صغيرة أنّ الحبّ لا يزال كبيرا ...و ادعوا لهم كثيرًا .
- و ختامًا : تقبّل الله منّا و منكم و اسمحوا لي بأن أهنّئكم بالعيد مسبقًا , فـبالجزائريّة أقول  : ( صحّ عيدكم ) و صحن صابلي بالشوكولا  ... و زهرة بابونج .

هناك 4 تعليقات:

  1. عيدك مبارك وتقبل الله منا ومنكم...
    جميل....

    ردحذف
    الردود
    1. - عيدكم مبارك و غفر الله لنا و لكم
      - أرجو أن يتم الجمال ببشرى شفاء الصغيرة روان ...جزاكم الله خيرا .

      حذف
  2. جميلة أنت حين تكتبين بقلبك يا أختي.....اللهم اشف روان و أخواتها و إخوتها شفاء لا يغادر سقما.................................صح عيدك

    ردحذف
    الردود
    1. و جميلة أنت أخيتي حين تشاركينيها بقرائتك ...( كنت أول من عيّدني فكانت رسالتك رائعة مرّتين , مرّة بكونها الأسبق و مرّة بكونها حملت لي من كلماتك الجميل , و الثالثة أنّها منك , فشكرا )
      - إذا جبيتي : صحّ عيدك من جديد !

      حذف