07‏/03‏/2017

نجونا بفضل اللّه !


~ السّلام عليكم ورحمة الله و بركاته 😊
- و لأنّنا بشر ، و لأنّنا نشترك في كوننا قد نمرّ بتجارب مماثلة ، و لأنّني أؤمن أنّ رسائل الرّحمان قد تأتي مختلفة في أشكالها لكنّها كلّها تحوي لطفا من اللّه تعالى ، أحكي لكم ؛

- كان يوم الخميس عاديا ، غير أنّي أذكر منه أنّه ودّعت هاجر و هي ذاهبة للمستشفى ثمّ لبيتها بطريقة عادية جدّا ...اشتريت مساء علبة شوكولاطة ، أذكر أيضا أنّه بكيت بسبب ما و كانت خديجة معي خائفة تحاول أن تهدّئني  ، أذكر أنّني خرجت من غرفتي للقاء إلهام و لُمتها على عدم زيارتي ظلما مني لها فضحكت ، أذكر أنّني صعدت إلى الغرفة أنا والهام و انتظرنا مدّة كافية أمام الباب لأني نسيت المفتاح لدى خديجة ، انتظرنا وقتا كافيا لتمر هبة و نعطلها عن زيارة صديقتها ثمّ ندخل ثلاثتنا للغرفة لاستكمال حديثنا ...انصرفتا بعد مدّة و استكملت الحديث مع خديجة ...فقط هذا ما أذكر ... كانت لتكون نهاية عادية جدّا !
- حوالي الساعة 4 من تلك الليلة سمعت صوتا ، كأنما شيء سقط أو انفجر ، لم أعر الأمر اهتماما ، لكنّ رائحة غريبة تسربت إلى غرفتي فقمت لأفتح النافذة و أتفقد عمّا إذا كان هناك شيء ما يحترق بالغرفة فلم أجد ، لم يكن هناك غير خديجة في الطرف الآخر من الرواق في غرفتها نائمة ، ذهبت لإيقاضها فإذا بي أرى كأنما غاز أبيض ثقيل يتصاعد في وسط الرواق قبل وصولي لغرفتها ... لم أفكر في سبب إلا أن يكون المصباح néon يفقد غازه ، فقط !
- استيقظت خديحة فزعة : ماذا يحدث ؟
- افتحي نافذتك
- ماذا هناك ؟
- لا أدري .
- بسرعة فتحنا نافذة الرواق و أخذت خديجة تصرخ تطلب النجدة ، في تلك اللحظة كانت السلالم خلفنا و نحن نطل من النافذة لم نلاحظ تصاعد الغازات عبرها و كنت أطلب منها التوقف لأنّه لاشيء خطير في الأمر ، هكذا كنت أظنّ ، لحسن الحظّ و الحمد للّه أنّها لم تسمع كلامي و طلبت مني الصعود للطابق العلوي للبحث عن حلّ للاتصال لحضور المساعدة ، حين صعدنا وجدنا الأمر أكثر كثافة ، الدخان كان يحجب الرؤية بوضوح من بعيد ، استيقظت الفتيات ممّن كنّ هناك فزعات ، فتحن أبوابهن لتقابلهن الغازات الكريهة و الدخان و الصراخ ، و لا أحد يفهم شيئا ... أرادت خديجة ايقاظ الطابق الأسفل لكنّها في طريقها في السلالم رأت ما أفزعها قبل أن تصل إليهنّ فكانت تصرخ بخوف : النار !
- سمعت صراخ خديجة : العمارة تحترق ، النار !
- لم أدرِ في تلك اللحظة ما العمل .
- صعدت خديجة تصرخ و تطلب المساعدة في النداء : العمارة تحترق ... في لحظة شعرت خديجة فيها بأنّ النّار بالعمارة و باب العمارة مغلق و الغازات التي كنا نجري في وسطها خانقة و خيوط صغيرة سوداء تتطاير في الجوّ ، قالت : كنت حين أسمع أحدا يرمي بنفسه من طابق علوي بسبب حادث ما انسان غبيّ غير أنّي فهمت الدّافع نحو هذه الفكرة في تلك اللحظة ، لكنّ اللّه تعالى ثبّتها فجعلها تتذكّر أنّها تملك رقم مصلحة الإغاثة الطبيّة SAMU ما جعلها تفكر في الاتصال بهم و طرد فكرة الخروج من النافذة من الطابق الثالث أو بالأحرى السقوط  ... أنا شخصيا لم أكن على علم بأنّ صديقتي كادت ترمي بنفسها من الطابق الثّالث ، في تلك اللحظة كدت أخسرها أو نخسر أي فتاة أخرى ، في تلك اللحظة نسيت أنّ المبدأ الأساسي في الاسعاف هو طمئنة الخائفين ( الخوف هو العدو الأول أثناء الحوادث )
- الخوف و الهلع يجعل أفق تفكيرك تضيق ، التفكير في الحلول يكون مندفعا و قد يغيب عن بالك نتائج الحل المتسرع الذي يقترحه عليك الشيطان في تلك اللحظة .
- في الطابق الثالث تسرعت أنا أيضا ، رأيت في اللحظة التي صرخت فيها خديجة فتاة تحمل دلو ماء ففعلت الأمر ذاته و نزلنا إلى الطابق الثاني ، و أنا في السلالم رأيت فتاة تصعد هلعة بتفاصيل خوف في وجهها كأنما تبكي أو أنها حقا كانت تبكي ، لم أفعل لأجلها شيئا ، لم أهدئها فهي الأخرى كان يمكن أن تكون في حالة هلع و ترمي بنفسها من الطابق الثالث أو الرابع ... أخطاء كثيرة وقعنا بها !
- في الطابق الثاني ، وقفت و تلك الفتاة تحمل كل منا بيدها دلوا ، هي وصلت قبلي لكنها لم ترم الماء على النار ، لا أدر بم فكرت في تلك اللحظة ، لعلها فهمت أن هناك شرارة كهربائية تسببت في اشتعال النار ، لكن أنا لم أفهم هذا ، لم أفكر أصلا في هذا ... كلّ ما فكرت فيه أن هذا الدخان الخانق ينبعث من هذا المصدر ، رميت الماء و لولا أنّ اللّه ستر فلو أن الشرارة الكربائية كانت لا تزال موجودة لكانت الكارثة !
- سمعت فتاة تنادي تعالين إلى الأسفل ، لا يوجد الغاز بالأسفل ، فصعدت لأنادي من كنّ بالأعلى ، كانت في تلك اللحظات فكرة الهروب من النافذة و تذكر رقم هاتف SAMU تراود خديجة حتى سمعت النداء، انزلن !
- شعور مخيف انتابني ، حين صعدت للطابق الثالث و الرابع أنادي من كنّ هناك ، أسمع أصواتهنّ لكنّي لا أراهنّ ، في لحظة عشت ما نراه في الحلم حين تكون خائفا و تستنجد بأعلى صوتك غير أن لا أحد يسمعك !
- كنت خائفة أن أدخل الغرف و أبتعد عن السلالم ، كان الدخان كريها جدا ... كنّا نجري و لا ندري أيّ نوع من الغازات نستنشقه ؟ أو في أي لحظة قد تبدو أعراض استنشاقه ؟
- أتذكر أنّني خفت كثيرا حين كنت أسمع صوت خديجة ثم هدأ الصوت و لم أعد أسمعه ، أصوات الفتيات الأخريات ، شعرت أنّه لا أحد يسمعني رغم أنني كنت أصرخ !
- بعدها فهمت أن في الوقت الذي كنت أناديهن ، كنّ يصرخن من النوافذ لطلب النجدة ، بعدها سمعن النداء و نزلنا و الحمد للّه .
- كانت الفتيات يجلسن في سلالم الطابق الأول مقابل باب العمارة ، و كانت خديجة تصرخ من الباب ، الفتيات في العمارات الأخرى يلقين نظرات ، و كان منهن من تمكنت من فتح باب عمارة اخرى لتخرج تجري لطلب النجدة .
- انتهت القصّة يا أصدقاء ، رجاءً لا تكرّروا الأخطاء التي فعلناها ؛
1- حين وجود حريق أو رائحة كريهة ، اضافةً إلى فتح النوافذ ضعوا على أنوفكم قطعة مبللة بالماء لمنع الغاز و الأشياء السوداء المتطايرة من الدخول لأجهزتكم التنفسية .
2- لا تخافوا ، حاولوا أن تهدؤوا فستفكرون في حلول بسيطة و بثمن لا يكون هو دفع حياتكم أو كسر عمودكم الفقري أو عظامكم إن فكّرتم في القفز من طابق مرتفع .
3- لا تناموا على معصية أو خصومة ( و الخصومة كذلك معصية ) ، فقد لا تستيقظون !
4- اعملوا على تهدئة من حولكم من الخائفين ، فقد لا يقتلهم الحادث و يقتلون أنفسهم هلعًا .
5- إطفاء النار يكون بالقارورة الحمراء المعلقة في الجدران بعد قطع التوصيل الكهربائي على الأقل ( أنا حقا لا أدري الاجراء المناسب في هذه الحالة ، إن كان هناك مختص بالموضوع فليفدنا مشكورا ) .
6-ما أركّز عليه ، هو خذ وقتا كافيا لتبلور فكرة الحلّ في دماغك ، ستجد الوقت الكافي لتبحث عن قارورة اطفاء النار الحمراء ، تجدها ببساطة معلقة في الجدار لو رفعت رأسك 25° تقريبا نحو الأعلى 😊
7- الغازات خفيفة و هي تصعد إلى الأعلى ، انزل أنت إلى الطابق السفلي.
8- أن تموت و عليك ديون اللّه أو ديون الخلق ، أمر يستحقّ التفكير .
9- كانت علبة الشوكولاطة موضوعة على الطاولة لم أفتحها ولم  آكل منها قطعة 😞 ... كدت أموت و أتركها ، على العموم قد نمتلك أشياء جيّدة و لكنّنا لا نملك الوقت للانتفاع بها ، لذا فهناك نقطتان ؛
~ أوّلا ، لا تنتظر لتملك شيئا كي تكون سعيدا ، فقد تملكه ثمّ لا تملك وقتا لتحيا معه .
~ ثانيا ، بين الأشياء التي تملكها ، فتّش ، كن راضيا سعيدا و اعمل بها صالحا .
10- الشعور الذي جعل صديقتي تفكّر في القفز من الطابق الثّالث سببه أنّها شعرت بأنّ الحلول ضاقت ، العمارة تحترق ، نحن نختنق ، لا أحد يسمعنا ، سنموت حتمًا ... لا تفكّر أبدا بهذه الطريقة ، بالعكس ، فكّر بأنّ النوافذ مفتوحة و الغازات الخانقة ستخرج و النار ستنطفئ و الباب سيفتح و الانسان لكي يموت اختناقا عليه أن يستنشق كمية كافية من الدخان و لمدة كافية ، لذا لا تخف ! 
11- الأمر ينطبق على كل حياتنا ، كلّما ضاقت فرجت ، و بعد العسر يسر ، الفرج الذي أتانا في هذا الحادث كان فتاة خرجت من عمارة أخرى لا تطل علينا أصلا ، كذلك الفرج في مشكلتك سيأتي من حيث لا تحتسب فقط اصبر 😊 .
12- يدبّر الأمر ... اللّه تعالى في تفاصيل حياتنا لطيف ... كانت الفتيات يخبرنني الحمد لله أن استيقظتِ ، و الحقّ أن يُحمد اللّه تعالى فهو من يدبّر الأمر ... الحادث كان ليلة الجمعة 3 مارس ، و جدول المداومات الأوليّ كان فيه أنّه عليّ المداومة يوم الخميس 2 مارس و بالطبع المداومة تستمر لغاية صباح يون الجمعة ...ثمّ غيّرت السكرتيرة المداومة لتجعلها يوم 28 فيفري ، ثمّ أردت العودة للبيت يوم الخميس بعد مرافقة إحدى قريباتي للفحص في اليوم نفسه ،لكنّي علمت أن الطّبيبة لن تأتي يوم الخميس فأُجّل الفحص ليوم الأحد ، كان عليّ أن أبقى هناك إلى يوم الأحد ، فلولا ذلك التغيير و ذلك التعطيل لما كنت ليلة الجمعة في مكان الحادث و لما استيقظت صاحباتي ربّما فالحمد للّه الذي يدبّر الأمر ... و كلّ عطلة فيها خير بإذن اللّه .
13- قبل الحادث ، و كأيّ شخص في هذه الدنيا ، قد تحصل لك بعض المشاكل أو المخاوف ، رجاءً اعمل بوصيّة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم :لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا بد متمنيا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) نعم يا أصحاب فقد  كان بيننا من فكّر في الموت بسبب مشكلة عنده قبل يوم تقريبا من الحادث ... ليس قلقنا من يحلّ المشاكل ، ليس تفكيرنا و انزعاجنا ، ليست دموعنا و لا الوجع في قلوبنا ، ليس موتنا ... كلّ ذلك نفثات شيطانيّة ، لن أطلب منك أن تكون قويّا فنحن البشر ضعفاء و لكن أطلب منك أن تكون صابرا محتسبا تدعو اللّه بالفرج و حلّ مشكلاتك ، متفائلا ، فالحياة بوجود المؤمنين أجمل ...و اصبر و ما صبرُك إلّا باللّه
- بالمناسبة ، مشاكل من أخبرتكم عنهم حُلّت ليلة الجمعة و أخرى  بعد قليل من الحادث😊 ... أستودعكم اللّه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق