31‏/03‏/2020

31 مارس


- السلام عليكم أصدقائي :)
- هكذا تبدو الشوارع في وهران بقرب المستشفى الجامعي بعد الساعة 19 , في اليوم الأخير من مارس الذي أعلن فيه عن 716 حالة مصابة بفيروس كورونا .
- الوقت يمرّ بأعين معلقة في القنوات الفضائية و الهواتف التي تبث أخبار هذا الوباء ... و في الألسن التي لا تفتؤ تذكره ... و الأيادي التي تضع المطهرات بعد كل فترة ... و المحلات المغلقة و المخابز التي لا تعج بالناس و الساحات المهجورة و بعض الوجوه المغطاة بالكمامات في الشوارع و جلّها في المستشفيات ... و المداومات المترقبة ... و بعض من الناس تجدهم في الشوارع من الذين لا يؤمنون بهذا الوباء أو يؤمنون قولا بلا عمل أو أنهم أطباء ... و بعض ممّن لا مأوى له يفترش الأرض و يلتحف السماء فلا حجر له إلا ذاك و لا كمّامة ... و هدوء غريب و أذان بلا صلاة في المساجد ... و خوف مختلف و اتصالات كثيرة و رسائل و شائعات و دموع  و ألم و قلق و دعاء و استغفار .
- العمل اليومي في مصلحة طب النساء و التوليد لا يزال عاديا , في عدد الولادات الطبيعية و القيصرية لكن جو العمل مختلف كثيرا ... التوتر النفسي العامّ ... الكمامات التي تغطي وجوه الجميع من عاملين و مرضى ... و في حين حدوث أي مشكل أو نقص في مادّة طبية أو وقائية تسمع الجملة  من الأطبّاء الطيّبين : ( ماراناش في وقت لي نطلبو فيه ) ( خلي تفوت هاذي الأزمة و ممباعد ساهل ) و غيرها .
- لعلّها المرّة الأولى التي  يسعد فيها الطبيب المقيم  بعيدا عن أهله , فهو يشعر ذاتيا بأنه ناقل  ممرض  حين يعود للبيت فهو في قلق واحد , أمّا الذي بين أهله فهو في قلقين اثنين فأمّا الأول فككلّ شخص يفكّر في أهله و صحّتهم و أمّا الثاني فهو في كونه سببا لإصابتهم , فهو بسبب هذا قد تجده ينزع ثيابه كلّها فور الدخول لبيته قبل أي خطوة يخطوها فيه أو في مرأب سيارته ليغتسل و ليغسل ثيابه في غسالة منعزلة و يأوي لغرفة لا يختلط فيها لا لأكل و لا لشراب , أمّا البعيدون فيكتفون بالمكالمات الهاتفية و حين تسمح لهم الفرصة بزيارة أهليهم يرفضون . و أمّا المكالمات ففيها ( أبقاو في الدار ) ( ما تخرجوش ) ...
- أمّا الجلسات بين الزملاء في المداومات و البيوت فهي في كراسٍ بعيدة بمتر و أسئلة عن التطور الوبائي في البلاد و توتّر عند كلّ إعلان أو مقابلة حالة مرضية أو مرجح أن تكون إيجابية .
- لا أدري إلى أي مصير تتوجه دولة لا تملك عتادا طبيا مرضيا كما مصير من تملكه , لكنّ إيماني بأنّ ما نحن فيه ابتلاء من اللّه لم ينزل إلا بسبب ذنب و لن يرفع إلّا بتوبة ... و أعلم يقينا أنّه قبل أن نغطي وجوهنا بالكمامات و نغسل أيدينا و نعقمها أن نغسل قلوبا و نفوسا أرهقت بالذنوب و المعاصي ... و في هذا الإجراء الوقائي الكلّ مسؤول ...
- لم يغلق اللّه بابه في وجوهنا بغضا و لكنّها لعلّها المساجد اشتكت قلّة المصلّين يوما فأراد اللّه أن ينزع النّعمة لنشعر بالفرق و نعود ... و لم يغلق الله باب توبته فباب التوبة مفتوح و باب اللّه الرحيم لا يغلق في وجوه عباده لنتوب .
- أمّا هذا الوباء فقد حصل بسبب أصغر العوامل الممرضة لنفهم أنّنا ضعفاء جدّا و لا يستطيع أحدنا حماية نفسه و لا من يحبّ و أنّنا كنّا في كلّ هذه الفترة التي مضت غافلون عن حماية اللّه لنا و أمنون جدّا في أوطاننا و أنّ لطف اللّه كان يغطّي كل نقص في أنفسنا و عتادنا الطبّي و البشري ...و  جعلنا نشعر بالمشردين الذين لا مأوى لهم , ممّن حين دخل كلّ بيته في الأسبوع الأوّل بقوا هم في الشوارع , و أنّنا غفلنا عن نعمة المأوى ... و أنّنا نبذّر الطّعام فجعلنا الوباء نفكّر في أنّ الغد قد يكون بلا طعام و كنّا نرى الأهل حين نشتاق بدون أن نشعر بالنعمة فجعلنا الوباء نشتاق و لا نستطيع رؤيتهم ... و كنّا نرفّه على أنفسنا في أيّ مكان أردنا في جماعات و ها قد منعنا لنشعر أنّنا كنّا منعّمين و كنّا نشاهد وسائل الاعلام ترفيها و ها نحن نشاهدها و أيدينا على أفواهنا و قلوبنا ترتعش لنشعر بما يشعر به إخواننا المنسيون في الحروب حين يقتّلون جماعات و يحصى عدد ضحاياهم في نشرات الأخبار مع أخبار الرياضة و الطقس دون أن نشعر بهم أو ندعو اللّه تعالى بصدق ليغيثهم كما ندعو اليوم ليغيثنا لأنّ الإصابة اقتربت منّا .
- وباء كورونا أو غيره - يا أصدقاء - ليس رسالة غضب من اللّه لأنّه كرهنا فاللّه لا يملّ توبة عباده و إنّما هي رسالة حبّ من اللّه  لنا نحن المذنبون الخاطؤون و رحمة لعباده المؤمنين كأنّ فيها ( إن تابوا فأنا حبيبهم و إن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ) و الطّبيب قد يداوي بدواء مرّ .
- ختاما , لا أدري هل سيكتب الله تعالى لي تدوينة أخرى , أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه متقرّبة بصلوات العجائز و دموع الشيوخ حين أغلقت في وجوههم المساجد و سكون الرّضيع على صدر أمّه  ورحمة اللّه تعالى .






هناك 4 تعليقات:

  1. نسأل الله أن يرفع عنا البلاء .. و ألّا يؤاخذنا بذنوبنا
    نسأل الله العفو والعافية في الدنيا و الآخرة ..
    موفقة صديقتي :)

    ردحذف
  2. ككل مرة تثلجين صدري بما تكتبينه حفظك الله ورعاك صديقتي من كل سوء. هي رسائل من الله لنا لعلنا نأخذ العبر. اللهمّ اهدنا و تب علينا و احفظنا من كل سقم

    ردحذف
    الردود
    1. الله يسعد قلبك كوكو ...امين :)

      حذف