22‏/05‏/2014

محاكمة الحبّ ( 1 )


- رُفعت دعوى ضدّه , كان المتّهم في القفص , بل حتّى القفص كان ضدّه فقد كان أقلّ فعله على المتّهم أن جعله يحتويه خلف قضبانه , فما أقسى على المتّهم أن يكون خلف القضبان ! ما أقسى عليه أن يكون سجينا ! ما أقسى عليه أن يكون حبّا !

- امتلأت قاعة المحكمة و ضجّت بالسّاخطين , كان الجميع يتهافت على معنى الاتّهام بدليل كونه مظلوما و أنّ على القاضي أن ينصفه ... الحبّ يقف خلف القضبان ينظر في الوجوه فلا يقع إلّا على ملامح الغضب و ملامح الدّمع و صوت كلّ تلك الملامح تقول : ( الحبّ مجرم ) .
- بدأت جلسة المحاكمة بطرقة ...

- القاضي : فليتقدّم طرف الادّعاء على الحبّ .
- تقدّم طبيب القلب في هدوء غاضب : سيّدي القاضي إنّ هذا المتّهم الذي خلف القضبان مجرم قد استفحل ضرره , إنّه يعمل عمل البكتيريا و الفيروسات مجتمعة في قلب واحد , يأتي إليّ المريض و هو في ريعان شبابه قد هرم فما عادت صحّته تدلّ على عدد سنين عمره الصّغير , بنفس مرهقة و شعور بارتفاع الضغط داخل الجمجمة بسبب الأفكار المستعصية , و انخفاض مفاجئ للوزن و فقدان للشّهيّة و جفاف بسبب الكميات المفقودة من الماء بالدموع ... مرضاي يا سيّدي القاضي يتعذّبون بآلام قلبيّة كالذبحات و أعراض مرضيّة كالالتهابات و بعد كلّ تحليل بيولوجي للدّم يتّضح براءة جميع البكتيريا لتتجه الأصابع لعامل ممرض وحيد هو الحبّ ... إنّ الحبّ يا سيّدي مجرم .
- القاضي : الشاهد التالي .
- مرأة تحمل بين يديها رضيعا تتقدّم تسابقها الدّموع : سيّدي ... أنا ضحيّة هذا المجرم , كذب عليّ الحبّ و صدّقته , قرّرت باسم الحبّ فأخطأت بسبب الحبّ و أنجبت بسبب الحبّ و ما أرى هذا الرّضيع الذي بين يديّ سوى دليل على جريمة الحبّ ...الحب ّ مجرم .
- القاضي : الشاهد التالي .
- سكت الجميع ... ارتفع صوت الرّضيع باكيا ...
- القاضي : تمّ تسجيل الشهادة , الشاهد التالي .
- سُمِع صوت شيخ ذو وقار ناحبا , مرتكزا على عكّاز خشبيّ بيد ترتجف : لقد قهرني هذا المجرم يا سيّدي ...أنا العُرف  ... هذا الحبّ جعل الممنوع تحديّا ليهدم أصولي في مجتمع قام بالأخلاق ... جعل الرّجل يصاحب المرأة و يعرفها و يخرج معها و يعيش معها و ليست تربطهما الشرعيّة باسم الحبّ و هذا ما لم أعرفه من قبل ... هذا المتهم جعل الليل مستيقظا بمكالمات المحبّين بما لا يرضى الله , هذا الحبّ يا سيّدي جعل الخيانة تولد من رحمه في القلوب  فأصبح الرجل يخون الرجل في ابنته باسم الحبّ و أصبحت المرأة تخون الجميع في نفسها باسم الحبّ و أصبحت القلوب تخون الله في أماناتها  باسم الحبّ ...ألا تبّا لشيطان الحبّ بعدد الشيب الذي رسم سنيني على لحيتي لم يحترمها الحبّ و تبّا له بعدد الثّقل على ظهري لم يقدّره الحبّ , ألا تبّا لشيطان لم يبرأ من الخيانة ...الحبّ مجرم .
- نطق الحبّ : أرجوكم , أنا بريء !
- ضجّت القاعة : بل مجرم ... ظالم ... خائن ... فيروس ... ألم ...و بكى الرّضيع .
- القاضي : هدوء ! لك حقّ الدّفاع أيّها الحبّ , فهات دليل براءتك .
- الحبّ : أنا فقط بريء من كلّ هذا , أنا لا أجيد إعطاء دلائل يا سيّدي , أنا فقط بريء ... أليس لي الحقّ في محام  ؟
- القاضي : تبرّأ جميع محامينا منك , فإن كان لك أن توكّل محاميا على نفقتك فافعل .
- تبسّم الحبّ و ردّ في هدوء : المال يا سيّدي ليس من خصائصي ... ثمّ سكن .
-  كان القاضي يتناقش مع مساعديه ... كانت الأعين صامتة ترصد القاضي في رجاء بالانتصار لها و ترمق المتهم بنظرة قهر , حزن , خوف , سخط  و دمعة ...و كان الحبّ وحيدا يجالس ابتسامة يائسة .
- طرقة ثانية ليتكلّم القاضي : بعد حوصلة ما جاء في هذه الجلسة تبيّن أنّ كل دلائل الجرم الموجّهة للمتّهم كانت صريحة و واضحة تثبت جرم الحبّ و استنادا لثبوت حضور الحبّ في ساحة الجريمة على القلب و الصّحة و الكرامة و الأخلاق و الأمانة و على المجتمع فقد حكمت المحكمة حضوريا على المتهم الحبّ بــــ ...
- قطع إعلانَ  الحكم صوتٌ صارخ وصل للتوّ : لحظة سيّدي ! أرجوك ! سأشهد لصالح الحبّ .
- وقف الحبّ تاركا ابتسامته مقتربا من القضبان ليرمي بنظره للمتحدّث .
- ضجّت القاعة : من ؟ سترفع القضيّة بحكم صريح , لا مجال لمعاودة المحاكمة , القضيّة محسومة , ما هذا ؟
- قطعت طرقة القاضي الضجيج : من أنت ؟
- أنا ...  ( بقيّة الجلسة هنا  )

هناك تعليقان (2):

  1. قرأت الجزء الثاني قبل الأول لكن لا مانع في ذلك.....مسكين هو الحب .

    ردحذف
    الردود
    1. - آهااا , لو كان جيتي تدافعي عليه الأخت ... تحيّة .

      حذف