30‏/07‏/2015

لا تـــتــــــشــــبّـث بالماضي



- لو وقفنا عند لحظة في حياتنا فسنكون في معلم زمنيّ كلّ ما خلفنا ماضينا و ما أمامنا مستقبلنا و اللّحظة حاضرنا و هذا الزّمن يمرّ وفق شعاع توجيه ثابت , إنّه يمرّ فقط نحو الأمام , إنّه لم و لا و لن يعكس اتجاهه و لن يعود للخلف أبدا ... فقط سيمضي رغم كلّ شيء للأمام .

- نحن , أنا و أنت , نمرّ بمراحل مختلفة في الحياة , هل تذكر تلك الدروس التي كانوا يعلموننا فيها دورة حياة الانسان : رضيع - طفل – كهل – شيخ ؟
- حينها لم يتطرّقوا للجانب الآخر في دورة حياتنا , حدّثونا عن زيادة الوزن و الطول و العمر و العضلات لكنّهم لم يخبرونا عن نموّ الفكرة و تطوّر الفكر و التجارب و أنّها كلّها تشيخ و تموت هي ليبقى الدّرس و أنّ نموّنا في هذا الجانب لا يُقاس بالكيلوغرام و لا المتر إنّما بالتّعلم من أخطائنا و التّعامل بهدوء , بمرونة مع التّجارب .
- نحنُ , نمرّ بتجارب مختلفة في حياتنا , في شتّى المجالات : الدراسيّة ,الصحيّة , الماليّة , العائليّة و علاقاتنا الاجتماعيّة ... و أشمل , نعيشها بكلّ لحظاتها في لحظاتنا , بتفاصيلها في تفاصيلنا , بتعبها , بدموعها , بنتائجها , بانفعالاتنا , بأحلامنا فيها ثمّ تمرّ هي بعد انقضاء أجلها و تموت لتصبح جزءً من ماضينا , إنّها تموت فعلا سواءً شئنا أو أبينا , استطعنا التّجاوز أو لم نستطع , تقبّلنا أو لم نتقبّل , فهمنا أو لم نفهم ... تعلّمنا أو لم نتعلّم ...إنّها تمرّ هي سواءً مررنا نحن أو لم نمرّ.
- منّا من يمرّ و يتجاوز التّجربة و قد اكتسب درسًا من تجربة مؤلمة, سيّئة, فاشلة... مهما كان نوع العواطف التي اختلجت عواطفنا في تلك اللحظات من الزمن التي جرت فيه التجربة,مهما كان حجم الجرح الذي سبّبته في أعيننا ,  المرور يكون دوما إلى الأمام كما يمرّ شعاع توجيه الزّمن , أولئك النّاس ليسوا من فصيلة لا بشرّية و لا هم مجرّدون من المشاعر و لا هم يملكون نظام حذف أوتوماتيكي لا يملكه غيرهم , إنّما هم فقط فهموا أنّ الانفصال لتعيش أجسادنا في الحاضر و نعيش نحن في الماضي جُرْم , و أنْ يحي فشلُ الماضي في حاضرنا جُرْم و حياةُ  ألمِ الماضي في حاضرنا جُرْم و حياة الماضي في حاضرنا جُرْمٌ و جُرْمٌ و جُرْم  و هم ببساطة لا يريدون الاجرام في حقّ نفوسهم و من يحي معهم ... أمّا عن كيف ينسون ؟ فهم يثقون بالله و يعرفون أنّ الوقت كفيل بحذف الكثير...
- أشياء كثيرة ظنّ أصحابها أنّها لن تُنسى و لن تغيب عن ذاكراتهم لكنّ رحمة الله تعالى جعلتهم ينسون لتمرّ أيامهم بعد ذلك ببساطة و يفرحوا بعدها كثيرا و ينجحوا كثيرا و يهنؤوا كثيرا – كما لم يتخيّلوا أبدا – ثمّ استمرّت الحياة :)
- و منّا من لا يمرّ و لا يتجاوز التّجربة , و يتشبّث بالماضي فكأنّما يحيَ ماضيه في كلّ لحظة من حاضره , إنّه يسمح لتفاصيلها بالحضور من جديد - مع العلم أن الماضي لا يحيَ أبدا - إنّما هي الحياة الوهميّة التي نَهبُها له لنسمح لتفاصيل التّجربة , لعواطفها , لانفعالنا حينها , بأن يظهر من جديد بسبب انشغالنا بها , انهزاميتنا , عدم ثقتنا بالله , جهلنا , تشاؤمنا , إنّنا كمن يحمل الجثّة بين يديه يأبى دفنها لكي تستمر حياتها و ما الفترة التي تقضيها الجثّة خارج قبرها بحياة , إنّما هي وجود شيء في غير مكانه - تماما - كوجود الماضي في الحاضر , و ما الفترة التي تقضيها خارج قبرها - في عين من أبى دفنها و في عيون الجميع - إلّا وهمٌ و كذبةٌ و ظلمٌ للنّفس و ظلمٌ لكلّ من يشاركنا الحاضر ...حين لا ننسى , حين لا نتجاوز.
أخيرا :

 ---> فقط اصبر – فالصّبر جميلٌ ومفيدٌ لكلّ ألم – امض إلى الأمام و إن كان في عينيك بريقُ دمعة من الماضي , خُلقت الدموع لتُذرَف لا لأن تحجب الرؤية الواضحة ...و خُلقت لكي تسيل و تُمسح لا لكي تركد في عينيك و لا في قلبك , امض إلى الأمام و اعلم بأنّ الله حين يهبك لحظة جديدة فهو تعالى يهبك فرصة جديدة , الفرصة الجديدة ليست لها أيّة علاقة بتجربتك الماضية لأنّك تعيش لحظة جديدة , تستطيع أن تنجح فيما فشلت فيه سابقا , الآخرون ليسوا مزوّدين ببرامج أنت تفتقدها : )  ... تستطيع أن تخوض تجربة جديدة و تنجح فيها بإذن الله , تجنّب الأخطاء التي وقعت فيها سابقا و تجنّب كلّ ما يُغضب الله , سوف تنجح بإذن الله
---> كن كشعاع توجيه زمننا , يتّجه دوما نحو الأمام ...دعك من الماضي و من شخصياته و أحداثه و نتائج تجاربه .
---> لا يحقّ لك يا شبيهي أن تلتفت إلى الماضي إلّا لسبيبين :
1- أن تستغفر من خطأ قمت به في الماضي و كلّك أمل في رحمة الله الذي وعد و وعده الحق ( إنّ الله يغفر الذّنوب جميعًـا )
2- أن تأخذ الدّرس و تُصلح شيئا قد أفسدته في لحظات الماضي, تُصلحه في لحظات الحاضر لتُعوّض.
---> لا تيأس أبدا و لا تضع نقطة نهاية لأملك , يونس عليه السّلام حين غضب من قومه و ذهب , التقمه الحوت وحينما استغفر غُفر له : اليأس في ديننا ذنبٌ .
---> علينا أن نرضى بما وهبنا الله و نحلم بكلّ خير , أن نسأل الله من فضله العظيم في الدّارين , نحن لا نسأل البشر إنّما نسأل ربّ البشر الذي بيده الخير كلّه و إليه يُرجع الأمر كلّه .

هناك 8 تعليقات:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
    صديقتي , ماعساي أن أقول سوى جزاك الله خيرا ونفع بك وأدامك ذخرا للأمة , وأنتِ بهذا القلم الفذ , وأنتِ بهذه النظرة المتفائلة , وأنتِ بهذه الروح الإيجابية المشعة , لكـِ شأن عظيم بإذن الله تعالى , دمتِ بالإيمانِ إيماناً , دمتِ رائعة :)

    ردحذف
    الردود
    1. و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
      صديقتي , و جزاك الله خيرا و أدام مودتك يا خالة مودة :)
      شكرا و دمت لنا .

      حذف
  2. السلام عليكم و رحمة الله....دائما من يكتبون لديهم حاسة سادسة و كأني بك تخاطبينني بما خطته أناملك...بورك قلمك و فكرك اختي الغالية

    ردحذف
  3. و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    اذن شعرت انها تخصك ؟ اذن هي تدوينة موضوعة في علبة جميلة مغلفة و عليها شريط احمر = هدية لك
    و بارك الله فيك صديقتي و بورك حضورك في حياتي .

    ردحذف
  4. موفقة بإذن الله
    فعلا خلقت الدموع لتذّرف

    ردحذف
  5. شكرا صديقتي ، أرجو أن تسعدي ،دمتِ

    ردحذف
  6. السلام عليكم فعلا معك حق ما نفع الدموع على ماض فات ما يهم في هذه الدنيا هو الصبر و لا صبر دون تفائل و لا تفائل بدون عزيمة جبارة ... جزاك الله اخت ايمان و دام قلمك نابضا نبض القلوب الصافية دمت يا غالية و تقبلي مني هذه الكلمات كتبتها يوما ما كنت في اشد الضيق و التعب النفسي فكتب هذه الكلمات لاني الكتابة تريح قلبي :
    سالوني من انا
    من اي عالم انا
    من اي ببطون الارض خرجت
    فقلت انا طائر رنام
    اهوى فنون الطيران
    اهوى الهدوء
    وبعدا للازدحام
    انا و ما انا الا انا
    اهفو لغفوة الايام
    لقلب كله خفقان
    اهفوان بعدا للالام
    سالوني و ما امانيك
    قلت ليت و ليت
    قالو و ما ليت
    قلت ليت ترد لي طفولتي
    براءتي
    جمال الروح
    ليتني في زمن
    يقال لي فيه طيري
    فانت اليوم طير الحرية
    انت اليوم ببراءة طفلة
    انت هنا اليوم
    و انت هنا كل الايام ...
    و شكرا لكي زميلتي ايمان على هاذا المنشور الرائع . اختك مريم #mymy med

    ردحذف
  7. و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ...أنا و ما أنا إلا أنا ... تحية جميلة لك يا مريم ، أشكرك جزيلا على كلماتك المشجعة و على خاطرتك .

    ردحذف